«بعد شهر ونصف».. بداية خطة الهجوم على وليد عباس معاون وزير الإسكان
سيف عبد الرحمن
لا يختلف عليه إثنان في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أو أجهزة المدن التابعة لها، وحتى ديوان عام وزارة الإسكان وهيئاتها التابعة.. لم يكن صعوده سلم المسؤولية والقيادة «وليد» الصدفة أو اختيار مبني على المجاملة والمحاباة، إذا سألت عنه سيقولون لك: «دا دكتور مهندس في التخطيط، له في المدن الجديدة علامات، دمث الخلق، مجتهد وشاطر، نظيف اليد»، حمل على عاتقه قطاع التخطيط والمشروعات بهيئة المجتمعات العمرانية وحتى قبل أن يتولى الإشراف الكامل عليه، وفي نفس الوقت كان حلقة الوصل وجسر التواصل بين وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات الذراع المالية للوزارة منذ أن كلفه وزير الإسكان بمهمة معاون الوزير لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية.
جمع الدكتور وليد عباس بين حب الجميع له في هئية المجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة المدن، والتقدير المبني على الكفاءة وثقة قياداته العليا فيه، وتأييد الجميع له لما يتمتع به من كفاءة ومهنية وأخلاق.
برز نجم الدكتور المهندس وليد عباس في السنوات الماضية عندما تولى الإشراف الكامل على قطاع التخطيط والمشروعات وبدأ معه نشاط الهيئة في التوسع في تخطيط المدن الذكية الجديدة مدن الجيل الرابع، وتوفير كافة الخدمات بها، وتسويق الفرص الاستثمارية الكبرى في مختلف المدن وحسن التعامل مع المستثمرين والباحثين عن فرص الاستثمار في المشروعات الكبرى التي تتبناها الدولة، حتى أصبحت الصحراء في المدن الجديدة لها قيمة وسعر.
في ديسمبر عام 2020، كُلف وليد عباس بالإشراف الكامل على قطاع التخطيط والمشروعات إلى جانب عمله معاونًا لوزير الإسكان لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وشهد معه القطاع أفكار جديدة ونشاط ملحوظ على مستوى التعامل مع الفرص الاستثمارية الكبرى، وطرح الأراضي وتقنين الأوضاع وإضافة الأحوزة العمرانية الجديدة للمدن الجديدة، وكان آخر الإنجازات في هذا الملف إطلاق بوابة المستثمرين، التي أتاحت الفرصة بشفافية تامة أمام المستثمرين وأصحاب الشركات لمتابعة كل فرص الاستثمار المتوفرة في المدن الجديدة والتعامل عليها بكل سهولة ويسر وبشفافية كاملة وفق ضوابط محددة.
مع التطورات الأخيرة التي شهدتها وزارة الإسكان وما حدث في مكتب الوزير وسقوط الرجل القوي في الوزارة اللواء محمد عصام وتقديم استقالته، وخلو الوزارة ممن يشغل هذا المنصب، بدأ البحث عمّن يصحح الأوضاع الخطأ التي أُرتكبت في فترة وجود اللواء محمد عصام، وما أحدثه من انقسامات وفتن وسوء إدارة لأمور الوزارة وفساد العلاقة بين مكتب الوزير وهيئة المجتمعات العمرانية، وغيرها من الشبهات التي حامت حول الراحل عن الوزارة.
اختيار أغضب الطامعين
جاء اختيار الدكتور عاصم الجزار للمهندس وليد عباس للإشراف على مكتبه لما يحظى به من حُسن القيادة والكفاءة وثقة وتأييد الجميع له، وكان القرار مفاجئ لـ«وليد عباس» نفسه الذي لم يكن في حاجة إلى منصب جديد، وعلى الرغم من أنه يعلم أن المهمة صعبة، إلا أنه استجاب لرغبة الوزير أملًا في إعادة تصويب الأخطاء والاستمرار في سير الوزارة لتؤدي مهامها الموكلة إليها في الجمهورية الجديدة.
عانت وزارة الإسكان وخاصة هيئة المجتمعات العمرانية في ظل وجود محمد عصام على رأس مكتب الوزير، من التدخل السافر في شؤون هيئة المجتمعات وفرض الوصاية غير المبررة عليها وعلى أجهزة المدن التابعة لها والتدخل في أمور إدارتها دون خبرة أو سابقة معرفة، وتدخله في شؤون نوابها وتقليص اختصاصاتهم في حرب تكسير العظام وفرض السيطرة، الأمر الذي وصل إلى حد تحجيم تحركات القيادات في الهيئة ومنع جولاتهم إلا بمكاتبات رسمية من مكتبه، وخروج المنشور تلو الآخر بتعليمات وتوصيات جديدة، فساءت الأوضاع وتعالت الأصوات في سرها مطالبة بأن يشغل شؤون الهيئة ابن من ابنائها أدرى بها وبمهامها ودورها.
وعقب الأزمة التي تفجرت في شهر يوليو الماضي بمكتب وزير الإسكان، اختار عاصم الجزار، القيادة الشابة وليد عباس لتولي شؤون مكتبه، ورغم ترحيب السواد الأعظم بقرار الوزير إلا أن أصحاب المصالح والطامعين في المنصب ممن يرون أنهم أحق به، بدأوا التزمر والتخطيط لعرقلة مدير المكتب الجديد.
خطة النائب الكبير
لا يوجد قيادة أو مهندس أو موظف تابع لهيئة المجتمعات وأجهزة المدن أو في الوزارة وهيئاتها وشركاتها؛ إلا وفرح بسقوط ورحيل محمد عصام عن مكتب الوزير، وكان أكثرهم فرحًا، النائب الكبير بهيئة المجتمعات العمرانية، الذي ظل «عصام» جاثمًا على أنفاسه سنوات طوال بعد أن قلص كافة صلاحياته وفرض عليه نوع من الوصاية وتدخل في شؤون قطاعه وسحب من تحت أقدامه بساط اختيار رؤساء ونواب أجهزة المدن وكثير من الامتيازات الأخرى، وعلى الرغم من أن النائب خرج على المعاش وتم التجديد له إلا أنه كان يرى أنه الأحق بشغل منصب المشرف على مكتب الوزير كنوع من رد الاعتبار لما فعله به الراحل عن الوزارة.
دخل الدكتور وليد عباس «عش الدبابير»، التي كانت تحوم حول المنصب وبدأت «النفسنة» و«حب الذات» تطغى على أصحاب المصالح، مستكثرين على الدكتور المهندس أن يشغل هذا المنصب وهو في منتصف الأربعين متخطيًا الشيوخ ومّنْ بلغوا سن المعاش، وبدأوا في مخطط التشكيك في إدارته لهذا المنصب وأنه غير أهل لذلك على الرغم من أنه لم يمض في منصبه أكثر من شهر ونصف.. وربما كان معهم الحق في أن «عباس» لن يرتقي لمستوى الألاعيب التي يتطلبها مثل هذا المنصب، فالرجل لا يعرف غير العمل والاجتهاد والهندسة والتخطيط والمشروعات.
من الإشادة للهجوم
كان من أكثر الفرحين برحيل محمد عصام عن مكتب وزير الإسكان، مهندسة عملت نائبًا لرئيس مدينة العبور، ثم صدر لها قرار ـ وقت أن كان عصام مديرًا لمكتب الوزير ـ بخفض درجتها الوظيفية إلى درجة استشاري مدير عام بجهاز 6 أكتوبر، وكان معها حق في فرحتها بالرحيل «الدراماتيكي» لأسوأ من شغل المنصب في تاريخ الوزارة.. عللت المهندسة وقتها أسباب التنكيل بها: بأنها كشفت كوارث في مشروعات قومية كبرى في الإسكان وأنها اشتكت منها وحاولت الوصول إلى الوزير لكن «عصام» حال بينها، وأنها لجأت لجهات سيادية ومؤسسة الرئاسة وعرضت عليهم ما توصلت إليه وما كشفته من سؤء إدارة، وأن ما توصلت إليه لم يكن وليد فترة الدكتور عاصم الجزار في وزارة الإسكان بل سبقه منذ أن كان الدكتور مصطفى مدبولي على رأس الوزارة وقبل أن يشغل مهمة رئاسة الوزراء، وأن مديرة مكتبه وقتها المهندسة راندا المنشاوي حاولت استرضائها وعرضت عليها المناصب بأن تستقدمها لتكون ضمن فريق مكتبها أو أن تكلفها برئاسة أحد أجهزة المدن وأنها رفضت لعدم رغبتها أو طمعها في شغل منصب، وأنها ما تريد إلا الصالح العام ومصلحة الوزارة والدولة.
وعلى الرغم من أن ما تحدثت به المهندسة ونشرته على صفحتها الشخصية بالفيس بوك في فيديوهات مسجلة وعادت وأزالته بعد دقائق، كان به اتهامات خطيرة لرئيس الوزراء فترة وجوده في الوزارة، وعلى الرغم من أنها أطلعت مسؤولين بجهات رقابية مختلفة على ما رصدته من مخالفات إلا أنه لم يؤيد أحد من أي جهة كلامها، مؤكدة أن الجهات وعدتها ببحث ما تحدثت عنه.
مرت الشهور وجاء رحيل محمد عصام واختيار وليد عباس، وأقامت المهندسة الدنيا فرحًا بالقرار وبتصحيح الأوضاع والانتصار لحقها الذي ضاع بالتنكيل والتهديد من المدير السابق، وأن أخيرًا تسير الأمور في نصابها الصحيح.
حظت المهندسة بمتابعة لبوستاتها على صفحتها الشخصية بالفيس بوك واستهوتها شهوة المتابعة والنضال «الفيسبوكاوي»، ومع التغييرات الأخيرة التي جاءت بقدوم وليد عباس وخطوات ترتيب البيت واللقاءات المتعددة مع جميع الموظفين والقيادات بهيئة المجتمعات وأجهزة المدن والتكليفات الجديدة، وجدت المهندسة نفسها خارج دائرة المناصب الجديدة، فتحولت من الإشادة بمدير المكتب الجديد إلى بداية التشكيك في قيادته واتهامه بافتقار الخبرة والسن الكافي لشغل هذا المنصب.
إشارة بدء الهجوم
جاءت إشارة بدء الهجوم عقب لقاء ـ منذ أيام ـ جمع المهندسة بنائب الهيئة الكبير ـ الذي كان يطمح في المنصب الذي ضاع منه وذهب لمّن يصغره بـ15 عامًا ـ دار حول رغبته في إسناد منصب لها في إحدى أجهزة المدن، لكن هناك مّنْ يمانع بمكتب الوزير، وأن أمرها لم يصبح بيده وحده، فخرجت المهندسة وبدأت العودة للكتابة على صفحتها الشخصية تصف المرحلة الحالية بانهيار الوزارة، إثر صدمة الوزير وسؤء اختياره، مطالبة بإنقاذ الوزارة من القيادات التي فرحت بقدومها من قبل وشغلت التكليفات الجديدة، وطالبت الوزير بتعيين نائب أول ـ في إشارة لنائب الهيئة الكبير ـ ليدير شئون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مشيرة إلى أن الوزارة تسلمها مّنْ هم يفتقرون للخبرة والقيادة، وأنها أصبحت في يد غير أمينة، وأنه لا يوجد قيادة تستطيع تحمل مسؤولية بلد في هذا الوقت العصيب!.