جسد غائب وروح حاضرة.. كيف حرم وباء كورونا أسرة "حسانين" من ابنها في رمضان؟
محمود عبدالرحمن
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساءا، اصطفت اسرة "على حسانين" المكونة من أربعة أفراد على طاولة الطعام، انتظارا لانطلاق أذان المغرب وإفطار أول أيام رمضان المبارك، لتباغتهم لحظة تجمعهم ذكريات ابنهم "مراد"، الذي خلى مقعده على المائدة، بعدما غيب فيروس كورونا جسده عقب إصابته، لتكون سيرته هي الحاضرة.
روحه حاضرة
"عمري ما أنسى قعدته معانا أول يوم في رمضان"، بلهجة حزينة قالها خالد حسانين، شقيق "مراد"، الذي فراقه عنهم الوباء مارس الماضي، يصف خالد أول أيام الإفطار واللحظات الصعبة التي مرت بها الأسرة، عندما اجتمعوا على طاولة الطعام دون "مراد" يقول "كلنا افتكرناه ومحدش كان له نفس ياكل حاجة وقتها".
أوائل مارس الماضي، عاشت أسرة "على حسانين"، أيام مأساوية وصعبة، عندما توفي ابنهم مراد، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا نتيجة تدهور حالته الصحية، لضعف مناعته لكونه مريض فشل كلوي ويخضع إلى جلسات غسيل ثلاث مرات أسبوعيا بإحدى المستشفيات بمركز نجع حمادي التابع لمحافظة قنا بالصعيد "كان الخبر صادم لينا كلنا وخصوصا أن مراد كان أكتر حد كان بيعاني".
"في يوم وليلة عرفنا أن مصاب كورونا"، يقول خالد، أواخر شهر فبراير الماضي، علمت أسرة "حسانين"، بخبر إصابة ابنهم "مراد"، صاحب الـ 17 عاما بفيروس كورونا، وذلك بعدما اشتكى مراد من ارتفاع مستمر في درجة الحرارة مع كحة وتكسير في العظام "قولنا دور برد عشان هو متعود على البرد عشان مناعته ضعيفة"، ولكن مع استمرار الأعراض تم عرض "مراد" على الطبيب الذي أخبرهم بإصابته بالفيروس المستجد.
أيام معدودة قضاها "مراد"، محتجزا في إحدى مستشفيات العزل بمحافظة قنا، حتى فارق مراد الحياة متأثرا بإصابته بالوباء الذي بلغ عدد وفياته في مصر حتى الآن 13,469 حالة وفاة وعدد إصاباته 229,635 بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة والسكان.
"في كل صلاة بدعي ليه بالرحمة"، يقول "علي حسانين" والد مراد، الذي زاده فراق ابنه وهن على وهن، منذ وفاة "مراد"، أصبحت الحياة مظلمة بالنسبة لوالده "علي"، الذي اعتاد يرافق ابنه ثلاث مرات أسبوعيا لإحدى المستشفيات بمركز نجع حمادي لخضوعه لجلسة الغسيل، يتذكر الرجل المسن صاحب الـ 52 عاما، آخر الأحاديث التي دارت بينه وبين ابنه: "طلب مني اقعد في البيت ويروح هو وحده المستشفى"، وذلك تخفيفا عليه المشقة التي يعانيها الأب ثلاث مرات أسبوعيا.
لكن مع إصرار الأب كان "مراد" يستجيب للذهاب معه يقول والده "عمري ما سبته يروح لوحده خالص"، وذلك نظرا لحالة الإجهاد التي يكون عليها الشاب بعد خروجه من جلسة الغسيل التي تستمر إلى ثلاث ساعات متواصلة "بيكون تعبان ولازم حد معه"، حتى أخذه الموت دون أن يسمح له بوداع أسرته.
صدمة خبر الوفاة
لم يزل "صالح" شقيق مراد، يتذكر المكالمة التي علم منها خبر وفاة أخيه "مراد"، عندما تلقى مكالمة من إدارة المستشفى في ساعات الليل المتأخرة تخبره وفاة "مراد"، وعليه الحضور لانتهاء الإجراءات واستلام الجثمان، لم يدري الشاب ماذا يفعل حينها، اصطحب أسرته في اتجاه المستشفى لاستلام الجثمان لتشييعه لمثواه الأخير "من أصعب اللحظات اللي مرت عليا في حياتي"، يصف الصدمة التي طالته في ذلك الوقت.
"عمر ما ننساه مهما مر الوقت"، يقول صالح، الذي اعتاد طوال شهر رمضان بالتصدق على روح اخيه، بجانب قراءة القرآن المستمرة والدعاء له بالرحمة "رمضان شهر كريم وبدعي ربنا يرحمه دايما لان تعب في الدنيا".