دعوة الرئيس للتفكير
لقد كان منطلق سيادة الرئيس لكل إنسان الحق الذي منحه الله أن يتفكر في معتقده الديني، كما خاطب الله رسوله الكريم بقوله (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29). وقوله سبحانه: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 191). ليبين للمسلمين الحق من الباطل وما أنتجه الخطاب الديني المؤسس على الروايات من التباس على المسلمين، وكانت نتيجته خروج فرق ضالة من الإرهابيين والتكفيريين يوظفونهم أعداء الدين في خدمة مصالحهم الاستعمارية، واستباحة الأراضي العربية والإسلامية تحت مسمى الإسلام. يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء بكل قسوة، وبعض المسلمين استغل شعارات الإسلام للتغرير بالناس ليكونوا أتباعًا لهم للوصول إلى السلطة، وكلا الفريقين لا علاقة لهما بمبادئ الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل والإحسان والحرية والسلام وتحريم العدوان والأمر الإلهي للمسلمين بالتعاون والاعتصام بكتابه والتفكر والتدبر في آياته حتى لا يضل الإنسان، كما تم تضليل المسلمين على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان. شوهوا رسالة الإسلام وحرَّموا على المسلمين التفكر في آيات الله ومقاصدها، بما يحقق مصالحهم في الحياة الدنيا لأن الكهنة وشيوخ الدين ومن يسمونهم بالعلماء المقدسين عند العوام سينكشفون أمام المسلمين، ويترتب على ذلك إنصراف الأتباع عنهم وتزول مكانتهم في المجتمعات الإسلامية ويفقدون المصالح المادية والمعنوية، فقرروا الحجر على العقول وحرمان الإنسان من التفكر بزعم قولهم الباطل قفل باب الاجتهاد مخالفين أمر الله الذي يدعو الناس للتفكر والتدبر لمعرفة الحق حتى قيام الساعة. يهدفون بذلك احتكارهم لتفسير القرآن بما يتفق مع مصالحهم الدنيوية دون تقوى من الله ويقودن الشباب كالأنعام ليتبعوهم إلى طريق مظلم، بالرغم أن دعوة سيادة الرئيس ما هي إلا تذكير للناس بأمر الله لهم في قوله سبحانه مخاطبًا رسوله عليه السلام: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) (ص : 29). وما دعى إليه سيادته للتفكر والتدبر في دينهم تمشيًا مع قول الله سبحانه: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (الذاريات: 55). وبناءً على هذه الآية فإنه يذكر المؤمنين بأمر الله لهم في أن يتفكروا ويتدبروا آياته، ليعيدوا النظر في مدى تطابق إسلامهم وسلوكياته مع كتاب الله وهديه، وهل اتبعوا الله فيما أمر، فقد ألهمه الله بأن يضع مقارنة بين ما يفعله المسلمون من جرائم ضد إخوانهم في أوطانهم من قتل وسفك دم واستباحة الحقوق ونشر الفزع والخوف في المجتمعات الإنسانية، وبين دعوة الله سبحانه لهم في أمره للمسلمين بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
عندما يقرأ المسلم هذه الآية ويرى المذابح وجز الأعناق للأبرياء وتشريد الناس من أوطانهم والخطاب التكفيري والتحريض على قتل الأبرياء، كما حدث في أفغانستان صورة بشعة من الفزع والخوف من فرقة جاءت من الماضي البعيد لتعيد للناس عصور البغي والطغيان وقتل الإنسان، يحملون قلوبًا لا تعرف الرحمة ولا العدالة ولا الإحسان ولا حرية الإنسان. فيتساءل الناس كيف يتم التوفيق بين الرحمة والعدل وتحريم العدوان، الذي يدعو الله العقل الإنساني ويخاطب قلبه والوجدان وهو الرحيم وهو اللطيف وهو الودود، الذي تشع من أسمائه الحسنى نور يريد الله للناس أن يخرجهم به من الظلمات إلى النور. كيف يتفق مع من يريد أن يعيد الناس إلى عصور الظلمات، وتتحكم به غريزة الشر ويتبع الشيطان؟ فحينما يتبع الإنسان كلام الله ويتدبر في أمر دينه ويقارن بين تسمية بعض الطوائف بالإخوان المسلمين ويرى أفعالهم حربًا على الله وكتابه وعلى رسوله الأمين وحذرهم الله سبحانه بأنه أعد لهم عذابًا أليمًا في قوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (المائدة: 33). وقد سبق للرئيس أن طالب الأزهر وشيوخ الدين بإعادة النظر في الخطاب الديني منذ أكثر من أربع سنوات دون استجابة منهم لندائه.
وللأسف يا سيادة الرئيس لا تنتظر منهم موقفًا يتوافق مع فكرك ورؤيتك لأنهم أصبحوا يتبعون الروايات المزورة على الله ورسوله، وأصبح رواتها وشيوخها لديهم مقدسون عندهم فلا يجرؤ أي منهم أن يجاهر بصوت الحق، يخافون من عباد الله ولا يخشون الله بالرغم أنهم يتلون كتاب الله وهو يأمر المسلمين جميعًا بقوله: (اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ) (الأعراف:3). ويكابرون مع الله ويتمسكون بالروايات على حساب الآيات، يعبدون الله بروايات البشر بعيدًا عن آيات الله الذي يدعوهم للرحمة والسلام للعيش في مجتمعات مسالمة مستقرة مطمئنة متعاونين في بناء الوطن وتعميره متكاتفين معتصمين بكتاب الله الواحد وهو الرسالة التي أنزلها الله على رسوله الأمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور في قرآن كريم.
كما أن دعوة الرئيس للتفكر تواجه بمادة في الدستور عنوانها (إزدراء الأديان)، ولن تتحقق آمال كل المخلصين بدعوة سيادته وكسر الأغلال التي تمنع المفكرين بفريضة إلهية للتدبر والتفكر في كتابه المبين بإلغاء مادة (ازدراء الأديان) في الدستور التي تمثل الحجر على العقل والتفكر في أنها سيف مسلَّط على كل من يحاول أن يتفكر في دينه وعقيدته لإصلاح ما أفسده أتباع الشيطان المفسدون في الأرض.