آبي.. نعم هو أَبّىٌ مخادع!
كنت أود أن أطلق على رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمق مع تغيير الدال ـ كما يطلق عليه البعض ـ لكن كلامه وأفعاله لا تدل على أنه أحمق؛ بل هو ماكر ومخادع يلعب بـ«البيضة والحجر» ويعرف موضع قدميه ونحن مازلنا نتحسس الخُطى!.. أكاد أتخيله وهو يخرج لنا لسانه على طريقة «الكيد الإثيوبي» ويغني مهرجاننا: «جامد أيوه أنا جامد.. حتى اسألوا مندوبكم حامد.. ما أنا عارف.. قدامكم السد القاتل.. ارجع ورا يالا.. أحسن أخدكم كعبلة.. كل كلامكم فيك.. منكم أنا في مجلس الأمن أخدت بريك»..أراه وهو «يُرقّص» لنا حواجبه على هيئة «8 مقلوبة» مرددًا تصريحات: «اطمئنوا الملء الثاني مستمر.. اطمئنوا الشعبين المصري والسوداني لن يتعرضا لضرر ذي شأن.. اطمئنوا الدبلوماسية المصرية بخير!».
(1)
خدّع آبي أحمد العالم كله وانتزع منه جائزة نوبل للسلام، على أساس أنه استطاع أن ينهي حربًا دارت رحاها بين إثيوبيا وإريتريا لمدة عقدين من الزمان بعد شهرين فقط من توليه رئاسة الوزراء في أبريل عام 2018، ليعلن في يونيو 2018 أن حكومته وافقت على تسليم بلدة «بادمي» الحدودية المتنازع عليها والامتثال لشروط اتفاق الجزائر لعام 2000 بإنهاء الصراع الدائر بين إثيوبيا وإريتريا والموافقة على إعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح الطرق والطيران واستخدام المواني الإريترية.. في عام 2019 فاز بجائزة نوبل للسلام، وكسب تأييد شعبي، وحصل على حصة في ميناء جيبوتي، وأخذ 19% في ميناء بربرة في مشروع مشترك مع مواني دبي العالمية، وبعد ذلك بيومين فقط وقع اتفاقية مع الحكومة السودانية تمنح إثيوبيا حصة ملكية في ميناء بورتسودان، وحق استخدام مينائي «مصوب وعصب» الإريتريين اللذين كانا قبل الصراع مينائيها الرئيسيين.
(2)
اقتنص آبي أحمد مغانمَ «السلام الزائف» في حين أنه لم يتغير شيء يذكر بالنسبة لإريتريا التى عادت لتصرخ في مثل هذا الشهر من العام الماضي 2020 على لسان وزارة إعلامها: «أنه بعد عامين من توقيع اتفاق السلام تستمر القوات الإثيوبية في التواجد على أراضينا ذات السيادة ولم تستأنف العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بالشكل المطلوب».
رئيس الوزراء الإثيوبي يخادع ويتوغل وينتشر من إفريقيا إلى أوروبا وآسيا، يلاعب كل الحلفاء وأصحاب المصالح ويأخذ منهم الدعم والمساندة على المستويين السياسي والاقتصادي، فيدافعون عنه داخل مجلس الأمن ويغضون البصر عن انفراده بملء السد وتشغيله دون مراعاة ورجوع لدولتي المصب.
(3)
أدارت مصر قضيتها العدالة في مسألة سد النهضة بمبادئ الشرف، وبكل حب وود واحترام لدول الجوار وضعت يدها مع السودان وإثيوبيا في مارس 2015 وأعلنت اتفاقية المبادئ الـ10 في وثيقة سد النهضة على أنه لا ملء دون دراسات ومشاورات واتفاق مسبق، لكن «السياسات القذرة» لا تعرف شرف الكلمة ولا تعترف بتوقيع ورقة مكتوبة.. كانت الوثيقة الثلاثية بداية العمل المنفرد لإثيوبيا لتشرع وتسرع بعدها في سلسلة من عمليات المراوغة والتنصل من الوعود والمواثيق كعادتها في تحويل الاتفاقيات إلى «حبر على ورق».
(4)
خطف «الأَبي» الجميع في لحظة، ولكم أن تتخيلوا كيف استطاع هذا المُخادع في شهرين فقط بعد تولية رئاسة الوزراء أن يحقق الانتصار تلو الآخر، حتى عندما حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي أن ينتزع منه قسم أمام العالم بأنه لن يضر شعب مصر في موضوع السد، وقال له: احلف «والله والله لن نقوم بأي ضرر بالمياه في مصر» ردد من خلفه القسم بكل سهولة عملًا بالمثل «قالوا للحرامي احلف»، وضحك السيسي وضحك آبي علينا والعالم يشاهد ويرى!.
(5)
لا أحد ينكر أننا تهاونا في إدارة ملف سد النهضة ولم نحسن فنون المفاوضات لكننا تعاملنا وفق المعطيات المتاحة والواقع المفروض، فخصمنا يلعب على أرضه ووسط جمهوره وبرعاية عالمية تحكمها المصالح الاقتصادية.. أدرنا المعركة الدبلوماسية بأخلاق الفرسان ومبادئ الإنسانية ولا أعتقد أننا أغفلنا أن الدبلوماسية تأتي بعد كسب الحرب والسيطرة على «أرض ومغانم» المعركة وفرض الواقع أولًا، وأن مصر وقيادتها في جعبتهم الكثير فلم ولن نكون لقمة سائغة في فم «حيوان إثيوبي» تعود على أن يهاجم الركب محتميًا بغابات أرضه.
(6)
لا نتحاج لأن نثبت للعالم بأن قضية السد الإثيوبي قضية وجودية بالنسبة لنا، تتمثل في حقنا في الحياة، حقنا في عدم الإضرار بحصتنا المائية ومستقبل أجيالنا القادمة.. لا نحتاج لأن نُسمع هذه الدول الصماء التى لا تسمع إلا بـ«آذان مصالحها الشخصية» أننا أصحاب حق وجودي أصيل؛ كل ما نحتاجه: أن نفكر، ونخطط، أن نكر ونفر، ونضغط بأوراق مصالح هذه الدول معنا التى كانت مواقفها مخزية، وصمتها فاضح، وعباراتها مريبة وهي تواجه عدالة قضيتنا في مجلس الأمن بمحاولة تحذيرنا من استخدام مختلف سبل الدفاع عن الحقوق المصرية المائية.
موارد إثيوبيا لن تكون كمواردنا المصرية، وإذا كانت هناك دول راعت مصالحها في إثيوبيا فكيف الحال معنا وآلاف المشروعات الكبرى نستطيع أن نستخدمها كسلاح «العصا والجزرة» في تعاملنا مع كل «باني موقف على مصلحة» علينا فقط أن نحسن المكر والتدبير واتخاذ من عدو عدونا حليف وصديق.