الديوان المحمدي بين الأصالة والمعاصرة
المؤشر
نهنئ القارئ الكريم بميلاد الديوان المحمدي الثاني لشاعرة من شاعرات العربية هي سعادة الدكتورة نورا علي حلمي التي تجمع في شعرها بين الأصالة والمعاصرة، بين قوة الأسلوب، ورصانة العبارة، ومتانتها، بين سهولة التعبير، وعذوبة اللفظ، ترتكز في ذلك كله على خيال خصب، وحس مرهف، وعاطفة صادقة مفعمة بالحب، والشوق لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
والديوان المحمدي الثاني -الذي بين أيدينا- يعد قسيما للديوان المحمدي الأول الذي صدر للشاعرة من قبل، فهو منه بمنزلة الأخ من أخيه بينهما قرابة ورحم، وهذا الديوان عبارة عن باقات نرجسية، وحدائق غناء بلغ مجموعها خمسا وأربعين قصيدة جادت بها قريحة الشاعرة، وجاشت بها عاطفتها، تقوم على وحدة موضوعية واحدة، تتمثل في مدح سيد الخلق، وحبيب الحق محمد - صلى الله عليه وسلم –.
وقد اطلعت على قصائد هذا الديوان، فقرأته قصيدة قصيدة، فوجدتني أمام شعر وجداني بلغ الحب من صاحبته لرسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم- مبلغا عظيما، بل وجدتني أمام نفس ولهة يسري في جنباتها الحنين، والشوق لزيارة مسجد رسول الله– صلى الله عليه وسلم- ، والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياته، والسكن في حرمه النبوي الشريف، ومدينته المنورة، ، كما دلت عليه قصيدة (في حضرة النعمى)، وقصيدة(الود المكنون)، (وقصيدة أوه)، وقصيدة (لا تلمني)، وقصيدة(إلى المصطفى)، وقصيدة (بالمصطفى كفى)، وغير ذلك مما ورد في الديوان.
ثم إنك أيها القارئ عندما تقرأ قصائد هذا الديوان- أيضا- تجد أن شاعراتنا أشادت وتغنت بمحاسن النبي - صلى الله عليه وسلم- الخلقية والخلقية، فتحدثت عن جماله خلقته ، وعذوبة منطقه ، وكريم أخلاقه، وجمعت ذلك كله في سياق واحد ، ومن أجمل قصائدها في هذا الموضوع قصيدتها( أجمل من ترى)،، وقصيدة ( وجه السعد) وقصيدة( قمر الليالي)، وقصيدة (تنزيل أخلاق)، وقصيدة( عرفت السر)، كما أنها نظمت في معجزتين من معجزاته المادية؛ لتبين للعالم أنه نبي مؤيد بالدلائل، وذلك في قصيدتي (حكاية شاة أم معبد)،و ( حكاية تسبيح الحصى)، وقد ركزت الشاعرة فيهما على ذكر ما حدث معه من حنين الشاة، والحصى؛ كأنك تعيش الحدث وتراه، وهذه طاقة إبداعية، وقدرة فنية لا يؤتاها إلا من امتلك زمام القول، وعنان البيان.
كما أنها لم تغفل أن تذكر في بعض قصائد هذا الديوان فضل النبي – صلى الله عليه وسلم- على الخلق عامة، وعلى أمته خاصة، فذكرت أنه رحمة للعالمين وأنه بدد ظلمات الشرك، وزلزل أركان الكفر، وهدم بنيان الباطل ، وذلك كما في قصيدة، (ثريا الهدى)، وقصيدة ( بشراي)، وقصيدة (أنا لها)،وهذه الأخيرة تبين مدى رحمته بأمته، حيث إنه- صلى الله عليه وسلم- يحظى بمقام محمود، ومكانة رفيعة، ومنزلة جليلة يوم القيامة، إذ اختصه الله من بين المرسلين جميعا بالشفاعة.
ولأن الشاعرة تعلم -يقينا- أن الشعر سلاح من أسلحة الدعوة، ووسيلة من وسائل الدفاع عن الدين، قامت منافحة ومتصدية لما ظهر مؤخرا على الساحة الإعلامية من قبل بعض المغرضين من إنكارهم معجزة المعراج، فنظمت قصيدة كاملة عنوانها الرد على منكري المعراج ، وهي من أجمل ما كتبته الشاعرة في هذا الديوان، كما قامت بالرد على من سبوه، وآذوه في قصيدة هي من روائع قصائدها جاءت بعنوان:( الله ينصر رسله)، ثم إنها لم يذهب عن خاطرها صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم- والدور العظيم الذي قدموه في نصرة الإسلام، فخصصت قصيدة كاملة في الدفاع عن الصحابة- رضي الله عنهم- عامة، وعن سيدنا خالد بن الوليد- رضي الله عنه- خاصة، سمتها بـ(سيف المليك)؛ إشارة إلى لقبه المقلب به، وكل هذا يدل على سعة أفقها، وشمولية رؤيتها. وقد اعتمدت الشاعرة في إظهار معاني هذا الشعر على صور بيانيه رائعة من تشبيه، واستعارة وكناية التحمت، واتحدت في رسم صورة حسية عن النبي- صلى الله وسلم_ حتى تراها العيون ، وتدركها العقول، فتستقر في النفوس.
كما جاءت لغة شعر هذا الديوان على مستوى الكلمة والصورة بسيطة واضحة لا غرابة في كلماتها، ولا التواء في تراكيبها ، ولا غموض في معانيها، ولا تكلف في أخيلتها. وحرصا من الشاعرة الكريمة على تعريف القارئ الكريم بسيرة نبينا- صلى الله عليه وسلم- المطهرة نسجت منظومة علمية ماتعه رائعة على روي اللام جاءت بعنوان:( المنظومة اللامية المنورة في السيرة النبوية المطهرة) استعرضت فيها حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- بدءا من المولد وانتهاء بالوفاة في أسلوب سهل بعيد عن التعقيد، والغموض يسهل على طلبة العلم حفظها. وفي الختام، فإنه لا يفوتني أن أدعو طلاب العلم عامة، وطلاب العربية خاصة بالتوجه إلى قراءة شعر هذا الديوان ، والإقبال على دراسته، وتذوق معانيه لما فيه من نفع عميم، وخير كثير، كما أسأل الله- عزوجل- أن يبارك في عمر شاعراتنا، وأن يمتعها بوافر الصحة والعافية.