محمود العربي
اقتصاد جمهورية «التوك توك»
جاء قرار وزارة التجارة الصناعة بمنع استيراد مكونات التوك توك بمثابة الضربة القاضية لتقليص انتشار هذه المركبات بشكل تدريجي في الشارع المصري خلال الفترة المقبلة، حيث من المتوقع أن يختفي من الشارع نحو 1.5 مليون مركبة علي الأقل خاصة في ظل إلزامها بالتراخيص، وستكون هناك منافسة بين هذه المركبات والسيارت الـ"مني فان"، ومن المتوقع ايضا ان ينحسر وجود التوكتوك "المرخص" في الشوارع الجانبية فقط والقري والنجوع.
جمهورية التوك توك فرضت نفسها علي المجتمع المصري، وخلقت فرص عمل لأعداد كبيرة جدا من المواطنين، لكنها في الوقت نفسه أثرت سلبا علي الاقتصاد المصري من جانب أخر، حيث حرمت المصانع والورش من العمالة، ويعتبر التوك توك اقتصاد غير رسمي حيث لا يتم تحصيل اي رسوم ترخيض او مخالفات مرورية علي هذه المركبات، وبالتالي يفقد الاقتصاد المصري مليارات جراء ذلك، فضلا عن أكثر من 35% من السائقين أقل من 18 عاما.
يُدر التوكتوك في "الوردية 12 ساعة" ما بين 200 إلى 300 جنيه ويستهلك يوميا بين 5 و10 لترات بنزين وفقا لحالة المركبة، وأقل تعريفة ركوب تبلغ متوسط 3 إلى 5 جنيهات، أى إنه وسيلة كسب مُربحة وأفضل من أى راتب قد يحصل عليه الشخص في الشركات والمصانع، ويعتمد علي التوكتوك نحو 10 ملايين شخص، موزعين بين سائقين وأسرهم وأصحاب مصانع وورش وتجار قطع غيار وصيانة.
كان أول ظهور لهذه المركبة في المنصورة وتحديدا في مركز السنبلاوين ثم في ربوع مصر كافة، فلم تعد قرية في ربوع مصر تخلو من التوك توك باستثناء 8 محافظات فقط منعته نهائيا.
أصدرت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة قرارا بوقف استيراد المكونات الأساسية "القاعدة والشاسيه والمحرك"، ما يعني أن وسيلة النقل تلك لن تجد أي قطع للغيار مما يؤدي إلى موتها مستقبلا.
وقالت جامع، القرار جاء بعد دراسة متأنية من كافة الأجهزة المعنية ويستهدف إحلال التوك توك بوسيلة نقل آمنة، كما يستهدف منح التراخيص للمركبات التى تنطبق عليها الإشتراطات الفنية المعتمدة من جهات التراخيص، مع دراسة إتاحة آليات تمويلية للراغبين فى إحلال مركبة بسيارة ميني ڤان تعمل بالغاز الطبيعى وذلك على غرار المبادرة التى يتم تنفيذها حالياً للسيارات الملاكى والأجرة والميكروباص.
قرار يراه البعض تأخر كثيرا، فيما يري أخرون انه "خراب بيوت" سواء علي مالك التوكتوك نفسه أو الصناعات والورش والمحلات المغذية له، حيث سيخرج من سوق العمل أعداد كبيرة من البطالة تحتاج لفرص عمل.
خلال الـ16 عشرعاما الماضية (بدأ الاستيراد بشكل واسع عام 2004)، ومع انتشار هذه الظاهرة "غير الصحية" توسع المستوردون في جلبه من الخارج، وشُيد نحو 70 مصنعا للتجميع والصناعات المغذية له، بخلاف شركة غبور"المصنع والمستورد الأكبر"، وتوسعت المصانع في الانتاج ووصلت الي 40% من مكوناته انتاج محلي، حتي وصلت الأعداد وفقا للإحصائيات الرسمية 3.5 مليون توكتوك، فيما تقدرها نقابة التوكتوك بـ5.5 مليون، منهم نحو 240 ألف توك توك مرخص فقط.
مشاكل التوكتوك عديدة ومتشعبة أهمها السير عكس الاتجاه والتحرش وعمليات الخطف والاختناقات المرورية، وحرمان الصناعة المصرية من العمالة سواء المدربة أو غير المدربة.
كما قلنا المتوقع خروج نحو مليون أو 1.5 مليون توك توك لا تنطبق عليهم شروط التراخيص الخاصة بالمرور أو من سيستفيدون من مبادرة الإحلال، وكذلك بعدها تدريجيا سيخرج جزء كبير أخر لعدم توافر قطع الغيار، لكن يبقي السوؤل الأهم أين ستذهب هذه العمالة التي كانت تعمل علي التوك توك؟ الحل الأمثل هو اهتمام الدولة بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير وتوفير تمويل مناسب لهذه الفئات حتي يستوعبها سوق العمل، مع الاهتمام بالتدريب وتوفير دراسات جدوي من خلال الصندوق الاجتماعي مع تمويلات مناسبة لكل مشروع.