أشرف رمضان
ماذا لو مُت قبل أبي؟
حياة علمتنا القسوة.. حياة بلا فائدة «موت مسبق»، جردتنا من مشاعرنا، سلبت قلوبنا وعقولنا.. عندما نعيش لذواتنا فحسب؛ نفيق على انتهاء عمرنا المحدود، نفيق على كذبة كبرى، وصراعات واهية. نكتشف أننا طوال حياتنا كنّا نبني مراكبًا ورقية على أمواج عاتية، دوامة نعيشها بعد فقدان الأب، الذي كان يوفر الأمان والحماية دون أن ندري، لا نفكر فى تفاصيل الحياة «السخيفة»، يتحمل هو المشقة ويتكتم «الألم» حتى يمنحنا «الأمل». في زيارتي الأخيرة لقبر أبي، بكيت بشدة وحرقة، لا على فراقه، بل على نفسي، وتساءلت: «ماذا لو كنت مُت قبلك يا أبي؟»، الإجابة الوحيدة القاطعة، أنه كان سيتخذ من قبري سكنًا، لن يفارقني لحظة، يحدثني ويسرد حكاياته.. لن تخلو سجدة في صلاته إلا ويدعو ليّ، «يطبطب» على قبري، ويتصدق من أجلي. أبي منحني حياته، وأنا أمنحه 10 دقائق لزيارة قبره، ما هذه القسوة؟، بل تمضي شهور لا أزوره بسبب «الغربة اللعينة»، لكنه لا يفارقني في كل لحظاتي، أتذكر كلماته همساته، أتذكر انتظاره لي وأنا أتسكع في الطرقات حتى الصباح، وعندما أدخل البيت، «يدخل هو في نوم مصطنع» حتى لا يؤذيني بنظرة عتاب. أتذكر تجاعيد وجهه التى تحمل كل واحدة منها قصة نعيم عشته أنا وأخواتي.. أتذكر عندما غبت عن البيت أسبوعًا للعمل، وعندما عُدت احتضنني وكأنه يتعرف عليّ للمرة الأولى.. أتذكر وأتذكر وأتذكر وأتذكر، وسأظل أتذكر حتى ألتقيك يا أبي.