محمد صلاح
«مدينة زايد».. خارج السيطرة
لم تعد مدينة «الشيخ زايد» حلمًا وملاذًا للباحثين عن السكينة والراحة النفسية والهدوء، فالمدينة فقدت بريقها وطبيعتها الخلابة وهوائها النقى، بعدما زحفت إليها العشوائيات، وصارت تعانى انفلاتا أخلاقيا، وانعدامًا للقيم والمبادئ وغيابًا للتسامح وقبول الآخر.
لا أبالغ إذا قلت أن حلم الطبقة المتوسطة للإقامة فى مكان هادئ تحول إلى سراب، وأن ما تروج له الإعلانات المبهرة لا علاقة لها بالواقع، فشركات الاستثمار العقارى تسعى إلى تحقيق أرباح بالمليارات بإثارة غرائز صفوة المجتمع للإقامة فى «الكمبوندات»، التى خلقت حالة من العزلة والطبقية المجتمعية، فالأغنياء وهذا حقهم يبحثون عن الخصوصية، والهدوء والأمن والأمان داخل الأسوار العالية المراقبة بالكاميرات والحراسات على البوابات، حيث الإقامة فى الفيلات الفارهة «التاون هاوس، التوين هاوس، البنتاهوس»، والبنايات ذات الطراز المعمارى المتميز، والـ«فيو» المبهر، حيث المساحات الخضراء «كيدز إيريا»، والبحيرات الصناعية، وحمامات السباحة، وملاعب الجولف، والأندية الرياضية والصحية، والأماكن الترفيهية، والمطاعم والكافيهات «البراندات».
لست ضد أن يتمتع الأغنياء بالخصوصية والأمن والأمان، فهذا موجود فى كل مجتمعات العالم، ولكن ما أعترض عليه هو العشوائية فى التخطيط والتنظيم، بالإصرار على إقامة مشروعات الإسكان الاجتماعى والإسكان المتوسط فى مواجهة « الكمبوندات»، ذات الأسوار العالية، التى يتعامل قاطنيها بتعالى شديد مع جيرانهم، وفى المقابل تتحسر الطبقات الأخرى على حالها، ويضيق صدرها حقدا وغلا على الصفوة التى تحظى بكل شيء فى المجتمع.
لا يخفى على أحد أن لغة القوة والمال والنفوذ سادت فى المدينة التى يسكنها المشاهير، وعادت من جديد عبارة «متعرفش أنا مين وابن مين»، تصرفات شباب المدينة من جميع المستويات، تتسم بالتهور الشديد والاستهانة بأرواح المواطنين، يتلذذون بترهيب السكان بالسرعات الجنونية للسيارات الفارهة، و»التخميس المفاجئ» و»الطلعات الأمريكانى» دون رادع من قانون يعاقب بالحبس والغرامة، فضلا عن الانفلات الأخلاقى، بعدما تحولت الشوارع والحدائق المظلمة إلى أوكار للملذات، حيث تصطف السيارات على مقربة من «الربوة، والتبه» يقرع من بداخلها الكئوس وتفوح من جنباتها رائحة المخدرات.
كما قلت الأزمة تتمثل فى انعدام الأخلاق والقيم والمبادئ، فسكان المدينة الفارين من الزحام والضوضاء والعشوائيات، لم يستطيعوا التأقلم مع نمط الحياة الجديد، فلم تتغير طباعهم وسلوكياتهم، حتى زحفت العشوائية إلى كل مكان بالمدينة، فانتشرت أعمال البلطجة وتسكع الشباب على نواصى الشوارع وفى الحدائق المظلمة والمولات التجارية، وانتشرت سرقة السيارات والوحدات السكنية.
مدينة زايد، التى يشرف على خدماتها جهاز تابع لهيئة المجتمعات العمرانية، تعانى من الإهمال الشديد فى الخدمات، فكثير من شوارعها الجانبية تحول إلى مقالب للمخلفات، وانفجار دائم لشبكات مياه الشرب والصرف الصحى لعدم تحملها ضغط المياه التى دائما ما تختلط بالرمال، المساحات الخضراء مظلمة وتفتقد للرعاية والاهتمام، فضلا عن انتشار الكلاب الضالة التى تثير الذعر والرعب فى نفوس المواطنين، وغياب الرقابة على استغلال وجشع التجار وأصحاب المحال والمولات التجارية والمراكز الطبية، حتى المواصلات العامة التى تشهد خناقات يومية على تعريفة الركوب من المدينة إلى القاهرة.
والمثير للدهشة، أن «إمبراطورية السايس» تركت زحام القاهرة والجيزة، وبسطت نفوذها وسيطرتها على شوارع المدينة وأمام المولات التجارية وتفرض إتاوات على أصحاب السيارات، كما انتشر المتسولون بطريقة غريبة، وتسللوا إلى العمارات للطرق على أبواب الوحدات السكنية، إضافة إلى ضوضاء ورش السمكرة والدوكو والميكانيكا أسفل العمارات، والباعة الجائلين الذين يجوبون شوارع المدينة بالميكروفونات المزعجة.
مدينة الشيخ زايد تحتاج وقفة من سكانها والمسئولين عن إدارتها ومجلس أمناء المدينة لإيجاد حلول جذرية لمشاكلها قبل أن تتفاقم الأزمة، وتصبح وكرًا للعشوائيات.
نقلا عن صحيفة روزاليوسف