التأهيل بالأنشطة.. المحطة الأخيرة للمرضى النفسيين والإدمان بالعباسية قبل خروجهم للمجتمع "صور"
محمود عبدالرحمن
داخل مجمع ملاعب مستشفى العباسية للصحة النفسية، اصطف مجموعة من المرضى النفسيين المحتجزين بمختلف أقسام المستشفى، الذين استقرت حالتهم بعد تلقى العلاج الدوائي، استعداد لبدء نشاط رياضي معتاد بإقامة مباراة ودية بينهم بمشاركة عدد من الممرضين، ضمن برامج التأهيل النهائية التي تقوم بها المستشفى مع المرضى، تمهيدا لخروجهم ودمجهم بالمجتمع.
"خلال المباراة يقيم حالة كل مريض"، يقول صابر حامد، مشرف التمريض بالمستشفى، الذي ظل منشغلا منذ انطلاق صفارة المباراة وحتى نهايتها بالتركيز مع ردود أفعال المرضى وتعاملهم مع بعضهم البعض، من حيث تمريرهم الكرة والتحكم في أفعالهم وكيفية التصرف داخل الملعب، وكلما يحرز فريق هدفا يرصد ملامح الحزن على وجوه لاعبي الفريق الآخر "من خلال تعاملهم بعرف أن المريض بقي عنده استجابة للتعامل مع المحيطين".
فبراير عام 2013، تم افتتاح النادي الاجتماعي "مركز التأهيل" بمستشفى العباسية التي تم إنشاءها عام 1883، على مساحة 68 فدان، كمحطة علاجية أخيرة للمرضى النفسيين الذين قضوا فترة الحجز الإلزامي "مادة 13" وتم تحويلهم إلى الحجز الإرادي "مادة 10"، وذلك بهدف تأهيلهم من كافة النواحي النفسية والاجتماعية وتمكينهم على مهارات التواصل مع الأشخاص تمهيدا للسماح لهم بالخروج.
وتعني المادة 13 عدم تحكم المريض في أفعاله خلال فترة إقامته داخل المستشفى "في المادة 13 المريض بيكون خاضع للعلاج الدوائي فقط"، إلى أن تتحسن حالته ويتم تحويله إلى مادة 10 التي تعني قدرته على التحكم وتحمل المسؤولية بحسب ما يقول حامد.
مكونات مركز التأهيل
ويتكون مركز التأهيل الذي يضم مجموعة من الغرف مقسمة ما بين رجال ونساء من أصحاب الأمراض النفسية المختلفة، من فريق علاجي، يضم طبيب، مختص بالإشراف على المرضى، وأخصائي نفسي وأخصائي اجتماعي وممرضين مهمتهم متابعة المرضى واندماجهم بممارسة الأنشطة المختلفة الاجتماعيةوالرياضية والثقافية.
تأهيل المريض على التواصل
"أكثر حاجة بنركز عليها تأهيل المريض على مهارات التواصل"، تقول الدكتورة شيرين دحروج، الأخصائية النفسية بالمستشفى، وذلك من خلال مشاركتهم بالأنشطة مع مرضى آخرين كالأعمال اليدوية والمسرح والرسم وغيرهم، وذلك لفقدان المريض النفسي تلك المهارات خلال فترة المرض، حتى لا يكون هناك تصادم لحظة خروجه وتعامله مع الأشخاص في المجتمع.
مضيفة: أنه من الصعب على المريض التعامل مع الأشخاص دون خضوعه لهذا التأهيل، وتوضح "شيرين" أن الاخصائي النفسي يتعامل مع المريض بالعلاج المعرفي السلوكي بالإضافة برنامج العلاج بالسيكو دراما وهذا ما يساعد بدرجة كبيرة في علاجه.
الرياضة جزء من العلاج
طوال زمن المباراة، كانت البسمة مرسومة على وجوه المرضى، وتزيد تلك البسمة كلما أثنى عليهم مدرب الفريق بعد التعامل الجيد داخل أرض الملعب "الرياضة عامل مهم في العلاج بتخلي المرضى أكثر تفاعل مع بعضهم"، يقول مجدي حسن، المشرف العام على النشاط الرياضي ومدرب فريق المستشفى، موضحًا أن الهدف من إقامة المباريات هو معرفة وتمكين المريض على المواجهة، وهذا يعتبر نوع من العلاج "التشجيع ليهم مهم وليه راجع كويس على التفاعل مع زملائهم".
يضيف مجدي الذي يعمل مشرف على النشاط الرياضة بالمستشفى منذ 11 عاما، أن تعامل المرضى مع بعضهم البعض داخل المعلب يعتبر تجربة مصغرة لما سوف يحدث لحظة خروج المريض من المستشفى "بعض الأمراض النفسية تجعل المريض أكثر عدوانية مع الأشخاص المحيطين".
بعيدا عن أجواء المباراة، وعلى منضدة فرش عليها مجموعة من الكتب والجرائد والمجلات وقف عادل مصطفى "مريض آخر" يقبض بيده على مجلة يتنقل بين صفحاتها والصور المعروضة بداخلها، وكلما وجد صورة تعجبه يخبر الممرض المتواجد بذلك "مش بقدر ألعب كورة عشان كده بحب القراءة والرسم" يقول عادل، نزيل المستشفى منذ 4 سنوات.
ممارسة الأنشطة اختيارية
اختيار المشركين في النشاط الرياضي، يتم بناء على شروط معينة بحسب ما يقول صابر حامد، مشرف التمريض، ومن تلك الشروط قدرة المريض النفسي على ممارسة النشاط الرياضي وخلوه من الأمراض بعد إجراء الكشف عليه التي تمنع ذلك " ممكن يكون عنده مشاكل بالقلب أو العظام مينفعش يشارك"، لذا يقوم صابر بتوجهه إلى نشاط آخر كالقراءة أو الرسم.
"أنا كنت محجوز في المستشفى وخرجت ورجعت تأني"، يستكمل عادل نزيل قسم 40 رجال، قبل 5 سنوات اتخذت أسرة عادل التي تقيم بمنطقة المرج، باصطحاب عادل إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، بعدما اشتد خلافه معهم بسبب تعاطيه أنواع متعددة من المخدرات سببت له حالة نفسية "اكتئاب مزمن" بحسب ما يقول عادل "جيت المستشفى تحجزت 5شهور وبعدها روحت البيت"، على أمل أن يقوم بالمتابعة بالعيادات الخارجية بالمستشفى وتعاطيه علاج شهري، ألا أنه لم يفعل ذلك حتى عاد مرة أخرى إلى المستشفى بعدما تدهورت حالته "دخلت المستشفى وتحجزت من جديد".
المتابعة عقب الخروج من المستشفى
"المفروض المريض بعد الخروج من المستشفى يتابع مع العيادات الخارجية لتلقى علاج شهري"، تقول الدكتورة شيرين دحروج، موضحة أن عدم التزام المريض بتعاطي الأدوية تتم انتكاسته مرة أخرى، ثم العودة إلى المستشفى والحجز من جديد "المرض النفسي مرض مزمن لازم المريض يتعاش معاه".
على المقاعد خارج الملعب، جلس مرضى قسم الإدمان بالمستشفى الذين يخضعون لفترة التأهيل في انتظار وصول ممرضين القسم لبدء النشاط الرياضي، بينما وقف عصام إبراهيم، "مريض بالوحدة" يمسك بيده فرشاة ألوان، يرسم بها على جدار حائط دخول مجمع الملاعب "الأنشطة بتغير اليوم للأحسن".
منذ شهرين يقيم عصام داخل وحدة الإدمان بالمستشفى، بعدما تم تحويله من قبل العيادات الخارجية "أنا كنت مدمن ولما جيت كشفت تم حجزي".
مراحل علاج الإدمان
العلاج من الإدمان يمر بعدة مراحل مختلفة، أولها مرحلة إزالة السموم والتي فيها يتم حجز المريض لمدة تتراوح من 15 يوما وتصل إلى شهر وذلك يختلف من حالة إلى أخرى بحسب ما يقول أحد ممرضين الوحدة –رفض ذكر اسمه-وفي تلك الفترة لا يتم السماح للمريض المشاركة في أي الأنشطة نظرا للحالة النفسية الصعبة التي يمر بها "دي بتكون أصعب مرحلة للمريض بيكون رافض المستشفى والناس المحيطين به".
ثم تلي تلك المرحلة فترة التأهيل داخل الوحدة من قبل الممرضين وهو العمل على تقبل المريض وضع المرض أو معرفته بالحالة التي هو عليها ولكن دون مشاركته في الأنشطة أو الخروج خارج القسم، إلى أن يتم تحسن الحالة ثم مشاركته في الأنشطة المختلفة حتى نهاية فترة الـ 3 أشهر فترة العلاج ثم خروجه من المستشفى "بعد الخروج من المستشفى بيتابع مع مركز التأهيل النهاري لفترة معينة".