هل اقتربت المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي على الانتهاء؟
على مدار الأعوام القليلة الماضية، أظهرت مصر تقدمًا كبيراً في جميع المؤشّرات الاقتصادية خلال المُراجعات التي أجراها صندوق النقد الدولي.
وحصدت مصر ثمار الإصلاحات التي استهدفت تصحيح الاختلالات الخارجية والمالية، كما حققت معدل نمو بلغ 5.7 %، يُعَد الأعلى منذ السنة المالية 2007/2008، في حين انخفض معدل البطالة إلى 7.2 %، وهو الأدنى منذ 20 سنة.
انخفاض معدلات التضخم
ونتيجة ذلك، بدأت معدلات التضخم في الانخفاض بشكل ملحوظ، في اتجاه تحقيق الهدف متوسط الأجل للسياسة النقدية والمتمثل في خفض التضخم إلى خانة الأحاد، وعلاوة على ذلك، استعاد الجنيه المصري قوته، مدعومًا بالاتجاه المتزايد في زيادة الاحتياطيّات الأجنبية، كما أسهم البرنامج في استعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في ضوء إجراءات الإصلاح التي ساهمت في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وزيادة تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية.
برنامج الإصلاح الاقتصادي
وبناءً على نجاح المرحلة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته مصر، أعلنت الحكومة المصرية عزمها على المضي قدمًا في تنفيذ المزيد من الاصلاحات. وتأتى صياغة والإعلان عن "البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية لمدة 3 سنوات “National Structural Reform Programme (NSRP)”، لتمثل المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأته الدولة في نوفمبر 2016، ويهدف البرنامج إلى دعم الاقتصاد وتعزيز النمو الشامل والمستدام. وفى ضوء ذلك تم تصميم البرنامج ليضم حِزمة من السياسات والإجراءات الإصلاحية لمواجهة التحديّات السابقة. وقد تم تصميم البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ليأتي مُتسقاً مع رؤية مصر 2030 المُحدّثة، والتي تشمل الموضوعات ذات أولوية للدولة خلال الفترة القادمة في ضوء التغيّرات المهمة على الخريطة الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وذلك بما يدعم قدرة الاقتصاد المصري على النمو المتوازن والمستدام.
تداعيّات انتشار جائحة كورونا
وتتمثل أهم هذه التغييرات في التعامل مع المستجدات المحلية والدولية، والتركيز على مرحلة ما بعد الإصلاح الاقتصادي، والتعامل مع تداعيّات انتشار جائحة كورونا على كافة الأصعدة المحلية والعالمية، وما فرضته من تحديّات على السياق المصري، والتركيز على الاقتصاد الأخضر وحماية البيئة، وقضية الزيادة السكانية، وضرورة ضبط معدلات النمو السكاني، وقضية ندرة المياه وما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية، وضرورة توجيه الاستثمارات والمشروعات للتغلّب على ندرة المياه، وايجاد مصادر بديلة.
برنامج الإصلاح الهيكلي الوطني
وتستند العناصر الأساسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي الوطني على: (1) دعم بيئة الأعمال وتعزيز دور القطاع الخاص. (2) استهداف زيادة الصادرات المصرية. (3) تعزيز المدخرات المحلية. (4) تسريع وتيرة الرقمنة الاقتصادية. (5) مراعاة المساواة في توطين الإصلاحات المطلوبة بين المحافظات وفق مصفوفة المحافظات/الوزارات والجهات ذات الصلة.
و يُعَد برنامج الإصلاحات الهيكلية البرنامج الأول من نوعه الذي يستهدف القطاع الحقيقي بإصلاحات هيكلية جذرية وهادفة. كما يُمثل إحدى الركائز الأساسية لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة لمواجهة التحوّلات الجذرية التي طرأت مؤخرًا، بما يُمكّن مصر من تعظيم الاستفادة من تلك التطوّرات والتحوّلات. وتتركّز الأهداف الرئيسة للبرنامج في زيادة مرونة الاقتصاد المصري، وزيادة معدلات التشغيل، وخلق فرص العمل اللائقة، فضلًا عن رفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، وبالأخص الصناعات الموجّهة للتصدير، وذلك بما يدعم قدرة الاقتصاد على تحقيق النمو المتوازن والمستدام. ومن ثَمَ، يستهدف البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية القطاع الحقيقي والأسواق الثلاث المتداخلة: سوق النقد، وسوق التجارة وسوق العمل، مع زيادة التركيز على تنويع الهياكل الإنتاجية لثلاثة قطاعات رئيسة ذات أولوية: الصناعة، الزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وميزان المدفوعات، بالإضافة إلى زيادة فرص العمل.
خطوات تنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية
وفي هذا الإطار، قامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بوضع خطة عمل تنفيذية لبرنامج الإصلاحات الهيكلية طبقاً لإطار زمني محدد، تضمّن أربع مراحل رئيسة بداية من شهر نوفمبر 2019 وحتى مارس 2021. وفى ضوء ذلك تم تنفيذ الخطوات التالية: ▪ عَقَدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ما يزيد عن 10 جلسات عمل ولقاءات حوارية مع المعنيين والخبراء. وتمت الاستعانة بالخبرات والاستشارات الفنية الدولية من خلال اثنتين من المؤسسات الدولية الكُبرى العاملة في هذا المجال (ماكنزي للاستشارات وباين للاستشارات)، وذلك من أجل استهداف سياسات الإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية للقطاع الحقيقي؛ وتلقت الوزارة عددًا من المقترحات في هذا الشأن من اتحاد الصناعات المصرية، واتحاد الغرف التجارية ومجالس الأعمال المختلفة والتي تعكّس أولويّات واحتياجات مجتمع الأعمال. حيث تم أخذ تلك المقترحات في الاعتبار خلال مرحلة تصميم برنامج الإصلاحات الهيكلية. وقامت وحدة السياسات الكلية بالوزارة بإجراء العديد من الدراسات والتحليلات، وذلك من أجل تحليل وضع الاقتصاد على المستوي الكلي ولتحديد قطاعات ومجالات الإصلاح وتحديد أسبقية الاجراءات داخل القطاعات ذات الأولوية، مع الاستفادة من تجارب الدول المختلفة. وقامت الوزارة بإجراء ما يزيد عن 50 لقاء مفصل (one-on-one) مع خبراء الصناعة والمتخصصين والأكاديميين في المحاور والمجالات ذات الصلة للبرنامج، بالإضافة إلى إجراء 20 اجتماع مع الوزارات والهيئات ذات الصلة المعنية ببرنامج الإصلاحات الهيكلية؛
كما سيتم تشكيل لجنة فنية رفيعة المستوى ستضم ممثلين عن الوزارات والقطاعين العام والخاص ورجال الأعمال، والأكاديميين والخبراء وممثلين عن مجلس النواب بهدف متابعة تنفيذ البرنامج والتنسيق بين الجهات المسؤولة عن تنفيذ الإصلاحات اللازمة، والمراقبة والإشراف على عملية التنفيذ والتقييم ككل، ورفع تقارير دورية للجنة العُليا للإصلاحات الهيكلية والمُشكّلة برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء وعضوية كافة السادة الوزراء.
فضلًا عن تشكيل ست مجموعات عمل في كل من مجالات الصناعة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والشمول المالي، والرقمنة، والحوكمة والإصلاح الإداري والمؤسسي.
وزارة التخطيط تضع خطة التنفيذ
وضعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية منهجية تتماشى مع خطة العمل التنفيذية الموضوعة؛ من أجل تحديد الأولويات على المستويين القطاعي والمحوري، إلى جانب تحديد الركائز الرئيسة للبرنامج. وتعتمد تلك المنهجية على ثلاثة مستويات من التقييم، كالآتي: أولًا: دراسة الاقتصاد على المستوى الكلي لتحديد قطاعات ومجالات الإصلاح، وذلك بناءً على وجود ثغرات وفجوات أداء، تتمثّل في تراجع أداء مصر النسبي في القطاع/المجال وفقًا لمؤشّرات التنافسية الدولية ومؤشّرات سهولة أداء الأعمال، إلى جانب وجود اختلالات وعدم توازن بين جانبي العرض والطلب. ثانيًا: تقييم أوضاع الاقتصاد الكلي التي يتم في ظلها تنفيذ الإصلاحات لتحديد القطاعات التي سيتم البدء بها، مع ضرورة مراعاة ثلاثة أبعاد تتمثّل في معدل النمو المتوقع للناتج، ومن ثًمً، إعطاء الأولوية للإصلاحات الهيكلية في المجالات ذات الأثر المرتفع على معدل النمو الاقتصادي، في حال توقع تراجع في معدلات النمو، إلى جانب البُعد المتعلق بالدورة الاقتصادية، فكلما زادت فجوة الناتج، كان من الضروري إعطاء الأولوية للإصلاحات الهيكلية التي ستدعم النمو على المدى القصير، وليس فقط الطويل. وهناك بُعد يتعلق بالحيز المالي المتاح لتمويل الإصلاح، وضرورة تعديل تسلسل الإصلاحات لصالح إصلاحات منخفضة التكلفة أو بدون تكلفة مع وجود آثار إيجابية على الطلب نتيجة للأثر المتوقع لجائحة كورونا على المالية العامة في مصر. ثالثًا: تحديد أسبقية الإجراءات داخل القطاعات ذات الأولوية، وذلك بناءً على معيارين: المعيار الأول يتعلق بسهولة التنفيذ، والذي يتم تحديده من خلال تحديد القدرات والجهود المطلوبة لتنفيذ الإصلاح المقترح وتحليل وجود نقص أو ثغرات في توافر تلك القدرات من عدمه. إلى جانب دراسة مدى تعقيد ونسبة المخاطرة في تنفيذ الإصلاح المقترح وتوافر الدعم السياسي المطلوب. بالإضافة إلى احتساب التكلفة المالية وغير الـمالية لتنفيذ الإصلاح المقترح. ويُركّز المعيار الثاني على مستوى التأثير، والذي يتم تحديده من خلال دراسة مدى قدرة الإصلاح المُقترح على معالجة التشوه المستهدف، وتأثير الإصلاح المقترح على كل محور من المحاور الرئيسة للإصلاح الهيكلي واحتمالية إسهام الإصلاح المُقترح في رفع الكفاءة والإنتاجية في كل محور. ويشتمل برنامج الإصلاحات الهيكلية على ست ركائز للإصلاح الهيكلي والمستهدفات الخاصة بها، تُستكمل بالتدابير الهيكلية والتشريعية، وتنفذ على مرحلتين: المرحلة الأولى (قصيرة المدى): تمتد على مدى 18شهراً من تاريخ بدء التنفيذ، والمرحلة الثانية (متوسطة المدى) فتمتد من 18 إلى 36 شهرًا. بالإضافة للمرحلة طويلة الأجل التي تمتد لحوالي خمس سنوات.
الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري
وقد تم اختيار المحور الخاص بتنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري كمحور رئيس، وذلك مع التركيز على ثلاثة قطاعات تشمل الصناعة التحولية، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بجانب المحاور الأخرى كمحاور مُكملة وداعمة، كتنمية بيئة الأعمال وتعظيم دور القطاع الخاص، وتحقيق مرونة سوق العمل ورفع كفاءة التدريب المهني، إلى جانب تعزيز الشمول المالي وإتاحة التمويل، ورفع كفاءة المؤسسات العامة والتوسّع في تطبيق الحوكمة، وكل ذلك مصدره الاهتمام برأس المال البشري من حيث التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
الركائز الست للإصلاح الهيكلي
وفيما يلي الأهداف الرئيسة للركائز الست للإصلاح الهيكلي:
أولًا: المحور الأساسي للبرنامج والذي يُركز على تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري بالتركيز على ثلاثة قطاعات تشمل الصناعات التحويلية، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: • تتمثل الأهداف القطاعية لقطاع الصناعة في رفع معدلات الاستثمار في قطاع الصناعات التحويلية بشكل مُستدام وزيادة نصيبه من الناتج المحلي، وتوطين وتعميق الصناعة، وتعزيز نمو سلاسل التوريد المحلية وتعميق التشابكات، وزيادة القيمة المضافة للصناعة الوطنية، وتحقيق معدل اندماج أعلى في سلاسل القيمة العالمية والإقليمية، مع زيادة القدرة التنافسية الدولية للصناعات التحويلية، والنهوض بالصادرات الصناعية. • تركز الأهداف القطاعية لقطاع الزراعة على زيادة إنتاجية القطاع الزراعي وتحسين تنافسيته، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وزيادة الصادرات الزراعية. • تستهدف الأهداف القطاعية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات زيادة حصة المنتجات الالكترونية والأجهزة التكنولوجية الحديثة من إجمالي المنتجات الصناعية، وتطوير البنية التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واعتماد تقنيات وتكنولوجيات القطاع في مختلف القطاعات الأخرى لتمكين قدرتها التنافسية، مثل قطاعات الصناعة والسياحة وتجارة التجزئة وغيرها من القطاعات. وكذلك تم تحديد خمسة محاور ذات أولوية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية للقطاع الحقيقي على المستوى الكلي ولقطاعات الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على المستوى الجزئي، والتي تتشابك وتتداخل رأسياً وأفقياً. ثانياً: أهم أهداف المحاور الخمس ذات الأولوية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لقطاعات الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: 1) محور تنمية بيئة الأعمال وتعظيم دور القطاع الخاص: يهدف هذا المحور إلى خلق بيئة داعمة للمنافسة، وتسهيل وتطوير حركة التجارة مع إزالة القيود المُعرقلة، ورفع كفاءة النقل بكافة وسائله وتوفير النقل متعدد الوسائط لرفع كفاءة سلاسل الإمداد، إلى جانب تنظيم شراكة القطاع الخاص وتفعيل دوره، وتطوير الإطار التنفيذي وتيسير الإجراءات الاستثمارية، وخلق بيئة صحية نظيفة، في إطار من المحافظة على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. 2) محور رفع كفاءة ومرونة سوق العمل وتطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني: يستهدف هذا المحور تطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني، ووضع إطار مؤسسي لتفعيل دور القطاع الخاص في مجال التعليم والتدريب، وتحقيق التوافق بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل، ودعم تمكين المرأة والشباب وذوي المهارات الخاصة، وتوفير الحماية من البطالة. 3) محور تعزيز الشمول المالي وإتاحة التمويل: يتضمّن هذا المحور أهدافًا تتعلق بتعزيز الشمول المالي، وزيادة فرص التمويل المتاحة لشركات القطاع الخاص، وتنشيط سوق المال. 4) رفع كفاءة المؤسسات العامة من خلال التوسّع في تطبيق التحول الرقمي والحوكمة: يرتكز هذا المحور على تحقيق مستهدفاته من خلال تعزيز الإصلاح الإداري والمؤسسي، والإسراع في إتمام عملية التحول إلى الاقتصاد الرقمي، مع تمكين وحدات الإدارة المحلية وتعزيز قدراتها، وتعزيز شفافية السياسة المالية وإدارة الدين. 5) تنمية رأس المال البشري (التعليم، الصحة، الحماية الاجتماعية): يُركز المحور الأخير، وهو الهدف النهائي لكل الإصلاحات الهيكلية، على تنمية رأس المال البشري من خلال رفع كفاءة الخدمات الصحية وتوسيع نطاقها، وتنمية الأسرة المصرية، ورفع كفاءة النظم التعليمية، وتحسين استهداف دعم الغذاء، وتوحيد التحويلات النقدية تحت مظلة واحدة. وأخيرًا وليس آخرًا، من الأهمية بما كان تسليط الضوء على أن الجهود الضخمة التي قامت بها الحكومة المصرية قد ساهمت في بناء اقتصاد قوى ويتسم بقدر أكبر من المرونة، يدعمه برنامج وطني للإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية المُخططة بكفاءة عالية، بما في ذلك التوسّع في شبكات الأمان الاجتماعي.