حمادة السيد يكتب: القصة الكاملة لمؤامرة تشويه «سليم الرياحي»
غيّرت الثورات العربية بلدان وشعوب، ألبستها لباس الحرية الفضفاض، قوضت قصور الاستبداد ، وزلزلت عروش الطواغيت.. لكنها صنعت أسلحة جديدة فتاكة، لا تطلق البارود وإنما تغتال بالكلمات، رسمت الثورات العربية لوحات بديعة بأيد شباب حَلُم بالحرية والعدالة الاجتماعية في أوطان جديدة تُبنى بعد القضاء على الأنظمة المستبدة الفاسدة الضاربة بجذورها في الأراض العربية لعشرات السنين، لكن اللوحة الجميلة شابها بعض العيوب وتلطخت فيها بعض الوجوه على أيد الطامعين والآكلين من جسد الأوطان، فلا أحد أضحى بمنأى عن طلقات بارود الاتهامات وقذائف التشويه.
اندلعت شرارة ثورات «الربيع العربي» من تونس وامتدت إلى مصر أرض الكنانة وكان ما كان.. قفزت جماعة الإخوان على الحكم في مصر وراحت تؤسس لمُلك جماعتها مستخدمة كل الأساليب القذرة تحت ستار الدين من أجل السيطرة والاستحواذ على مقاليد الأمور، جندت الشباب ولعبت بأصابعها الخبيثة على أوتار احتياجات الناس مستغلة حالات الفقر والاحتياج والرغبة الصادقة لدى الكثيرين في تغيير الأوضاع الاجتماعية إلى الأفضل.. وضعت الجماعة خطتها حول رجال الاقتصاد في مصر (المتهم منهم والبريء) وراحت تكيل لهم الاتهامات وتطاردهم بقضايا الفساد واستغلال النفوذ وتضخم الثروات في محاولة لابتزازهم والضغط عليهم كي يكونوا داعمين لدولتهم الجديدة، وسرعان ما انكشف أمرهم أمام الشعب وجاءت ثورة التطهير والإطاحة بهم من على رأس الحكم بعد عام أسود.
على نفس خطة جماعة الإخوان سارت الأمور في الدولة الشقيقة تونس التي حملت مشعل شرارة «ثورات الربيع العربي»، حيث سيطر حزب النهضة الذراع السياسي لجماعة الإخوان على الحياة السياسية تاركًا مساحة أوسع للأحزاب الأخرى في المشاركة ومتخليًا عن فكرة الاستحواذ الكامل لكن المبدأ واحد «مّنْ ليس معنا فهو ضدنا.. وإن كان مع الوطن».
الوطنيون من رجال الأعمال كانوا أسعد الناس بالثورات فقد أذّن مؤذن عودة الطيور المهاجرة إلى أغصان الأوطان بعد سنوات من الخروج الاضطراري لأسباب مختلفة.. في تونس كان رجل الأعمال الشاب سليم الرياحي عام 2011 وقبل الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، على موعد مع العودة إلى تونس بعد أن غادرها صغيرًا مع أسرته على إثر خلافات سياسية لوالده محمد الرياحي مع نظام الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة والتى جعلته يفر بعائلته إلى ليبيا ويؤسس جبهة سياسية قومية عربية تحمل شعار «تحرير تونس من عملاء فرنسا والاستعمار الجديد».
عاد الابن يحمل الأماني والأحلام بالمشاركة في مستقبل تونس الجديد مُسخرًا كافة امكانياته المادية ونجاحاته الاقتصادية في خدمة بلده وشعبه.
لم يغب عن عقل رجل الأعمال سليم الرياحي أن الثورات شرّعت فتاوي فقهية جديدة باتت منتشرة في كل البلدان العربية وهي «أن كل رجال الأعمال لصوص.. وأنهم جمعوا ثرواتهم من حرام واستغلال النفوذ والتربح»؛ لكن رجل الأعمال فضّل العودة للمشاركة في إعادة بناء تونس حتى لو اضطره الأمر إلى أن يتلقى في صدره سهام الأكاذيب المسمومة والاتهامات المُلفقة دون بينة أو دليل، فمن أجل الوطن تهون النفس.
ومن منطلق «لا حب دون تضحية وعطاء» قرر رجل الأعمال سليم الرياحي أن يُبحر في بحر السياسية غير عابىء بالغرق رغم أنه يعلم أن بحر السياسة متلاطم أمواجه ومظلم قاعه وكاذب سطحه، فلا صديق دائم ولا عدو واحد، لكن الهدف كان أسمى والغاية كانت أن يصل بمركب تونس إلي بر الأمان.. في يناير 2011 أسس حزب الاتحاد الوطني الحر الذي يتبنى الفكر الليبرالي الاقتصادي، وسرعان ما لمع نجم الحزب في سماء الأحزاب السياسية ليشارك في انتخابات المجلس الوطني التشريعي عام 2011، وبعدها حصد حزبه المرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية عام 2014 وحصد 16 مقعدًا ، مباشرة بعد حزب «نداء تونس» بزعامة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي وحركة النهضة الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي وهي الحركة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، من هنا بدأت حركة النهضة استشعار الخطر من الوافد الجديد رجل الأعمال الذي بدأ يطمح لحلم وطني مشروع برئاسة تونس.. نجح الزعيم السياسي في فرض اسمه على الساحة السياسية مزاحمًا ومنافسًا لقيادات سياسية وأسماء بارزة من بينها وزير الخارجية والدفاع الأسبق كمال مرجان زعيم حزب «المبادرة»، وأحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري، وحمّة الهمامي زعيم اليسار الراديكالي، ومصطفى بن جعفر زعيم المعارضة الليبرالية الوسطية وغيرهم من الأسماء السياسية الكبيرة في تونس، من هنا بدأ الجميع يستشعرون الخطر السياسي من النجم الجديد غير مهتمين بمصلحة الوطن وأنها منافسة سياسية شريفة تنصب في صالح تونس وشعبها.
لم يترك رجل الأعمال سليم الرياحي مجالًا في تونس إلا وضع خطة للنهوض به، وقبل أن يسقط النادي «الإفريقي» العريق في جُب الإفلاس ودوامة التعثرات المالية، وجّه رجل الأعمال ملياراته للنادي فتولى رئاسته لمدة خمسة أعوام من عام 2012 وحتى عام 2017، مسخرًا له كافة الامكانيات المادية غير المعهودة وبحجم لم تشهده أندية أخرى عريقة مثل: الترجي التونسي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي، ونجح في قيادة النادي وسداد ديونه وانتشاله من كبوته المالية لينافس أقطاب الكرة التونسية ويحصد كأس تونس، بعدها بدأت المؤامرات لإبعاده عن رئاسة النادي الإفريقي؛ فنجاحات الرجل في الرياضة وانعكاسها بايجابية على دوره السياسي جعلت أطراف سياسية تتحرك لإبعاده عن المشهدين الرياضي والسياسي معًا.
الشاهد والمؤامرة
بدأت خيوط المؤامرة تُنسج بأصابع حزب النهضة وقيادة راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي المتلاعب بالحكومة ورئيس وزرائها يوسف الشاهد، وكعادة الإخوان في تشويه رجال الأعمال الوطنيين ومحاولات النيل منهم بالاتهامات الزائفة والأكاذيب تحت مزاعم تطهير الفساد ومحاربته بدأت محاكم التشويه والمطاردة ـ على طريقة محاكم التفتيش الإسبانية التي مارستها الفاشية الدينية وقتها ـ في حصر أسماء رجال أعمال تونسيين تمهيدًا للدفع بهم لساحات القضاء بعد القضاء عليهم شعبيًا بنشر الأكاذيب والادعاءات الباطلة.
بعد ثورات «الربيع العربي» أن تكون رجل أعمال ناجح لديك استثمارات ومليارات؛ فأنت «مُتهم ومُدان» وحتى قبل أن تقف بين يد القضاء ليقول كلمته فيك.. فما أسهل أن يقذفك ناشط على فيسبوك بالاتهامات ويدينك بتهمة النجاح وتكوين المليارات، فمشوار الحقيقة طويل جدًا ومشوار الكذب سهل وبسيط.
كابيتال غايت، وصحراء غايت، وريفوستار، وسيفاكس وورد، «ورانبو ماديا تونس» و«غراي وورد وايد» بالولايات المتحدة الأمريكية، و«كابيتال غايت هولندينغ ليمتد» بدبي، و«سيفاكس وورلد» و«وفيرست انجينو رينغ» و«فورس توريزم» بليبيا، وشركة «العقارية البحيرة» و«شركة تونس القابضة» و شركة CIRTA CHEMICAL COMPANY وشركة أسمنت قرطاج.. كل ما سبق وغيرها أسماء لشركات يمتلكها رجل الأعمال سليم الرياحي كانت أموالها ستُسخر لخدمة مشروعات تونس، إضافة إلى عشرات الاستثمارات الكبرى والمشروعات الأخرى وشركات عالمية وعربية من بينها شركة المراعي السعودية التي تعد واحدة من أكبر شركات المنتجات الغذائية على مستوى الدول العربية كان «الرياحي» يجهز لدخولها تونس.
كشف مؤامرة الخميس الأسود
دخل سليم الرياحي عش الدبابير على إثر كشفه لمؤامرة الخميس في 27 يونيو عام 2019 حيث تم نقل الرئيس الراحل باجي قايد السبسي إلى المستشفى وحديث بعض السياسيين عن محاولة الانقلاب على الرئيس من خلال إعلان وفاته و بالتالي إعلان الشغور على رأس السلطة التنفيذية وكان المتهم الأبرز في مؤامرة الانقلاب على السبسي رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد.
وقتها خرج رجل الأعمال ليكشف أنه كان أول شخص كشف عن هذه المؤامرة منذ أن كانت في مرحلة التخطيط وأن حزب النهضة أراد الانقضاض على الحكم بإعلان وفاة الرئيس الباجي، و بسبب ما كشفه للمؤامرة ورفضه لمحاولة الانقلاب على الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي تمت إزاحته من الحكومة ومن رئاسة النادي الإفريقي وأصبح ضحية لتلفيق القضايا فأجبر على الخروج من تونس لتفادي السجن بعد رفضه الممارسات الانقلابية على السلطة وعلى الرئيس الرّاحل الباجي قايد السبسي، فتفنّنوا في فبركة وتلفيق القضايا ضدّه وألّبو الشارع والرأي العام وأزاحوه من الحكومة ثمّ من نادي الأفريقي ثمّ أُجبر على الخروج من تونس حتى يتفادى السّجن ظلما وبهتانا ولكي لا يكون له نفس مصير أسماء تونسية أخرى مثل «صابر العجيلي وعماد عاشور» وغيرهم.
ما أصعب على محب لبلده أن يُجبر على الرحيل فارًا من محاولات التنكيل السياسي حتى أن «الرياحي» اتخذ قرار المغادرة وهو من أصعب القرارات التى اتخذها في حياته، فإمّا الرّكون والاستسلام إلى عصابات السياسة والتمتّع بالسلطة الوهمية، أو مواجهتهم بما أوتيَّ من قوّة ووسائل وتحمّل مسؤولية القرار الذي اتخذه بالعودة لتونس والحلم معها بمستقبل ووطن جديد حتى لو دخل جحر الأفاعي وتعرض للدغ العقارب المنتشرة في جحور السياسة.
رجل الأعمال والأمين العام السابق لحركة نداء تونس ومؤسس حزب الاتحاد الوطني الحر قدم تفاصيل قضية محاولة انقلاب الخميس الأسود لكن الملف أغلق بطريقة مشبوهة ومريبة في سبعة أيام وبجرّة قلم، فقد كانت عصابات حزب النهضة التونسي وقياداته في مراكز السلطة قادرة على ارتكاب كل شيء في سبيل تركيز نظامهم الجديد وتثبيت وجودهم في السلطة وحكمهم الفاسد ومساعيهم المحمومة لتركيع الدولة خدمة لمصالحهم.
كان ما كشفه رجل الأعمال الشاب في مؤامرة الانقلاب خطيرًا جدًا، لذلك وجب تصفيته واغتياله معنويًا وملاحقته بالقضايا الملفقة التى لا تسند إلى شيء إلا على كونه من أكبر رجال الأعمال ويمتلك شركات وثروات طائلة جمعها في سنوات الغربة بعيدًا عن تونس وحلم أن يعود بها إلى بلده ليساهم في صنع مستقبل تونسي جديد لشعبه.