الحفار الصغير .. «في البداية يسخرون منك ثم يكتبون قصتك»
محمد خالد
سفينة حاويات عملاقة تجنح في واحدة من أهم القنوات الملاحية في العالم، وتبدأ مهمة عمل شاق لأيام دون توقف لتعويمها وفتح الحركة للسفن العالقة مرة أر حفار صغير يعمل بلا توقف عند مقدمة سفينة حاويات عملاقة فيثير سخرية الكثيرين من المشهد الذي بدا متناقضا، قبل أن يتم الكشف عن الدور المهم الذي لعبته هذه الآلة في حل واحدة من أبرز المشاكل التي واجهتها القنوات الملاحية في تاريخها.
هكذا عمل الحفار الشهير في أزمة سفينة الحاويات البنمية العملاقة "إيفر جرين" لأيام متواصلة، نال قدرا من السخرية في البداية، ثم كِيل له المديح، وبعد أشهر من انتهاء الأزمة بسواعد مصرية، أصبح الحفار قصة تُروى.
حكاية الحفار تتحول إلى قصة للأطفال
ريان بيترسون، المدير التنفيذي لإحدى شركات وساطة الشحن والجمارك الأمريكية أعلن تحويل قصة الحفار المصري بجوار السفينة الجانحة لكتاب أطفال بعنوان "The Big Ship and the Little Digger – السفينة الكبيرة والحفّار الصغير".
بيترسون ذكر عبر حسابه الشخصي بموقع التغريدات القصيرة "تويتر"، أن سعر الكتاب 25 دولارًا ستذهب للإمدادات إلى العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية في الهند.
من السخرية إلى الإلهام تحولت قصة الحفار إلى عمل أدبي للأطفال، في خطوة فريدة، فما حكاية هذه المعدة؟
أنواع الحفارات الأرضية
ينتمي حفار حادث السفينة إلى نوعية "الحفارات ذات الأذرع الطويلة"، وتُستخدم في أعمال الحفر والرفع، وتتعدد أنواعها بحسب مواقع شركات الكراكات والحفر على مستوى العالم.
في البداية هناك الحفارات الصغيرة، وهذه يتراوح الحد الأقصى لعمق الحفر بواسطتها من 6 إلى 6.7 أمتار. بعد ذلك هناك الحفارات المتوسطة ويبلغ مدى العمق الذي تصل إليه 7.25 مترا، ثم الكبيرة منها وتستطيع أن تصل إلى عمق 7.7 أمتار.
وبإمكان الحفارات ذات الأذرع الطويلة إنجاز أكثر من مهمة وفي أماكن مختلفة، مثل التجريف النهري وتنظيف البحيرات، وإصلاح المنحدرات، وفي حال استخدامها للحفر تحت سطح الماء باستطاعتك تركيب كاميرا على الدلو الخاص بها لتحقيق رؤية أفضل.
إجمالا، ينصح بهذه الحفارات بشدة باستخدام الذراع الطويلة في حالات الحفر الضحية وتحت الماء، مع تأكيدات الخبراء بأنها ضرورية ومنجزة لأي مهمة لاسيما في حالات المد والجزر.
كيف أنجز حفار قناة السويس المهمة؟
كان حادث جنوح السفينة البنمية العملاقة، كبيرا ويستدعي تدخل الكراكات الثقيلة التي تملكها هيئة قناة السويس، بالإضافة إلى القاطرات القوية القادرة على سحب سفينة على متنها حملة ضخمة.
لكن المشكلة المبدئية كانت في جنوح السفينة عند مقدمتها نحو الشاطئ، ما أعاق حركتها بسبب دخول جسمها في الكتلة الرملية هناك، وهنا كان دور "الحفار الصغير". اقترب الحفار الأرضي ذو الذراع الطويلة من مقدمة السفينة حتى وصل إلى أقرب نقطة عند 10 متر، وأخذ يحفر لتوسيع النطاق عند الجزء السفلي لمقدمة السفينة.
كانت الفكرة البسيطة والمنطقية التي بنى عليها مهندسو هيئة قناة السويس هي أن يمهد الحفار الصغير المجال لاقتراب الكراكة العملاقة "مشهور" من جسد السفينة، إذ تقتضي معايير السلامة والأمان المتبعة في مثل تلك الحالات وجود مسافة آمنة لعدم تعريض جسد السفينة للخطر.
كان العمل احترافيا وعلى كل المستويات. مهمة أخرى قام بها الحفار الصغير وهي تعميق وتوسيع مسطح مائي داخل الشاطئ الرملي السميك لتسهل بعد ذلك عمل القاطرات في عملية سحب السفينة، بالإضافة إلى رفع كيمة قُدرت بـ7 آلاف طن رمال من مناطق الحفر طوال مدة العمل.
الآن، وبعد ثلاثة أشهر على إتمام المهمة، وعلى طريقة عبارة غاندي الشهيرة، يبدو أن الحفار بات ينطبق عليه القول “في البداية يسخرون منك ثم يكتبون قصتك”.