وجدي صابر
«وجبة توت»
عدة شهور وأنا أبحث عنه.. كنت أهيم في والأسواق والشوارع والحارات لكنني لم أهتد إليه.. هاتفت أحد أصدقائي للقيام بجولة ريفية ربما أعثر على شجرته الساحرة حتى أتأملها وأظل أتغزل في جمالها وانسياب أوراقها وهي تتهاوى مع الرياح لتشكل لوحة فنية بارعة ووصلت لمبتغاي وهآنذا أفكر في الصعود إليها حتى أعانقها وأبوح إليها بذكريات الطفولة لكن هيهات لرجل في عمري أن يصعد إليها واكتفيت مرغما على مناجاتها من بعيد والتغزل في مفاتنها وحاولت "هز" جذوعها لعلها تهديني ثلاث أو أربع ثمرات لكنها أبت فالثمار لاتزال في مرحلة النضج أو ربما بداياته.
قادتني الصدفة داخل أحد مولات المنصورة ووجدت ضالتي المنشودة أخيرا.. عبوات بلاستيك تحمل الثمرة الساحرة ذات اللون الأسود الغامق.. كانت تقبع في العبوة كأنها ملكة متوجة هل لي أن أترك برستيجي وأتجرأ لطلب ثمرة أتذوقها؟ تراجعت وطلبت عبوتين ولم أفكر في أي شئ سوى امتلاكهما والتوجه للكاشير والعودة سريعا للمنزل ونسيت ماكنت أنوي شراؤه من المول وعدت سريعا حتى ألتقي مع معشوقتي طلبت مني زوجتي التمهل قليلاً لتنظيف ثمار التوت لكنني كنت متعجلا لتذوق ثمرتين أو ثلاثة.. وجبة التوت المستورد لم تشبع رغبتي المكبوتة، وواصلت رحلة البحث في الأسواق مع منتصف مايو وأخيرا لمحته بعيدا مع بائعة في سوق الدراسات بالمنصورة لم أسأل البائعة عن السعر لكنني حرصت على تذوق ثمرتين كنت أرى ما يشبه الفراشات البيضاء تلتف حول التوت ولم أعبأ، وأخذت التوت سريعا وقامت زوجتي بتنظيف جزء منه وبالهنا والشفا، وبعد ساعة تسللت لالتهام ماتبقى من التوت وجدته ينتظرني في الثلاجة اعتقدت أن زوجتي قامت بتنظيفه لكنها كانت تضعه وتنظف ما نأكله وتحتفظ بالباقي لكنني لم افكر سوى في التهام التوت، وفي اليوم الثاني انتابتني آلام شديدة إنها النزلة المعوية.
هل أهتدي وأسكت؟ لم يحدث حتى وجدته مع بعض البائعين على إحدى الطرق الساحلية بلونيه الأحمر والأسود، توقف عقلي أمام رغبتي الجامحة في الحصول عليه، كمية كبيرة اشتريتها وتكرر السيناريو لكن هذه المرة استيقظت ليلا وقد خرج من فمي شلال من التوت الأحمر والأسود حول غرفتي إلى مياه حمراء اعتقدت أن ماخرج من بطني سيريحني لكنني استيقظت عدة مرات أمام شلالات أخرى تخرج من فمي ولم أعد قادرا حتى سقطت في غرفتي وظللت في رحلة بين الدنيا والعالم الأخر لمدة 15 يوما بالتمام والكمال حتى بدأت أسترد عافيتي من آثار التسمم الغذائي.
هل سأهدأ الآن؟ لازلت أبحث عن وجبة توت جديدة في الأسواق!!